قال في «المثل السائر» : وهذا الضرب من هذه الصناعة بمنزلة عليّة، ومكانة شريفة، وجلّ الأسرار اللفظية منوط به. قال: وقد لقيت جماعة من مدّعي فن الفصاحة وفاوضتهم وفاوضوني، وسألتهم وسألوني، فما وجدت أحدا منهم يتقن معرفة هذا الموضع كما ينبغي؛ وقد استخرجت فيه أشياء لم أسبق إليها؛ فإن اللفظة الواحدة قد تنتقل من هيئة إلى هيئة، أو من صفة إلى صفة، فتنتقل من القبح إلى الحسن وبالعكس فيصير القبيح حسنا، والحسن قبيحا، والمرجع في ذلك إلى الذوق الصحيح والطبع السليم؛ وقد نبّه منه على تسعة أنماط:
النمط الأوّل-
ما يترجح فيه الاسم في الاستعمال على الفعل، وذلك في مثل لفظ خود، فإنها عبارة عن المرأة الناعمة، فإذا نقلت إلى صيغة الفعل، قيل خوّد على وزن فعّل بتشديد العين، ومعناها أسرع. يقال: خوّد البعير إذا أسرع في مشيه، فهي على صيغة الاسم حسنة رائقة، قد وردت في النظم والنثر كثيرا، وإذا جاءت على صيغة الفعل لم تكن حسنة، كقول أبي تمّام:
وإلى بني عبد الكريم تواهقت ... رتك النّعام رأى الطريق «١» فخوّدا «٢»
إلا أن لفظة خوّد قد استعملت على غير هذا الوجه في بعض المواضع فزال عنها بعض القبح وإن لم تلحق بدرجة الرائق الحسن، كقول بعض شعراء الحماسة: