نغمة لذيذة كنغمة الأوتار، وصوتا منكرا كصوت الحمار، وأن لها في الفم حلاوة كحلاوة العسل، ومرارة كمرارة الحنظل. ولا حجة لاستعمال العرب لهذه الألفاظ، فإن استحسان الألفاظ واستقباحها لا يؤخذ بالتقليد من العرب، لأنه ليس للتقليد فيه مجال؛ وإنما له خصائص وهيئات وعلامات إذا وجدت علم حسنه من قبحه والله أعلم.
[الأصل الثالث من صناعة إنشاء الكلام، تركيب الكلام، وترتيب الألفاظ والنظر فيه من وجوه]
الوجه الأوّل في بيان فضل المعرفة بذلك، ومسيس حاجة الكاتب إلى معرفته، والإشارة إلى خفي سره وتوعّر مسلكه
قال أبو هلال العسكريّ: وأجناس الكلام المنظوم ثلاثة: الرسائل، والخطب، والشعر؛ جميعها يحتاج إلى حسن التأليف، وجودة التركيب؛ وحسن التأليف يزيد المعنى وضوحا وشرحا، ومع سوء التأليف ورداءة الرّصف والتركيب شعبة من التعمية؛ فإذا كان المعنى سيّئا، ورصف الكلام رديئا «١» ، لم يوجد له قبول، ولم تظهر عليه طلاوة. فإذا كان المعنى وسطا ورصف الكلام جيدا، كان أحسن موقعا وأطيب مستمعا، فهو بمنزلة العقد إذا جعل كل خرزة منه إلى ما يليق بها كان رائقا في المرأى، وإن لم يكن مرتفعا نبيلا «٢» ؛ وإن اختلّ نظمه فضمّت الحبة منه إلى ما لا يليق بها اقتحمته العين وإن كان فائقا ثمينا؛ وحسن الرّصف أن توضع الألفاظ في مواضعها، وتمكّن من أماكنها، ولا يستعمل فيها التقديم والتأخير والحذف والزيادة إلا حذفا لا يفسد الكلام، ولا يعمّي المعنى، وتضم كل لفظة