ويميل إليه هو الحسن، وما يكرهه وينفر عنه هو القبيح، بدليل أن السمع يستلذ صوت البلبل من الطير وصوت الشّحرور ويميل إليهما، ويكره صوت الغراب وينفر عنه، وكذلك يكره نهيق الحمار ولا يجد ذلك في صهيل الفرس؛ والألفاظ جارية هذا المجرى؛ فإنه لا خلاف في أن لفظة المزنة والدّيمة يستلذهما السمع، ولفظة البعاق «١» قبيحة يكرهما السمع، والألفاظ الثلاثة من صفة المطر ومعناها واحد؛ وأنت ترى لفظتي المزنة والدّيمة وما جرى مجراهما مألوفة الاستعمال، وترى لفظ البعاق وما جرى مجراه متروكا لا يستعمل، وإن استعمل فإنما يستعمله جاهل بحقيقة الفصاحة أو من ذوقه غير سليم، لا جرم أنه ذم وقدح فيه، ولم يلتفت إليه، وإن كان عربيّا محضا من الجاهلية الأقدمين؛ فإن حقيقة الشيء إذا علمت وجب الوقوف عندها ولم يعرّج على ما خرج عنها.
إذا علمت ذلك فلا يوصف اللفظ المفرد بالحسن حتّى يتصف بأربع صفات:
الصفة الأولى ألّا يكون غريبا؛ وهو ما ليس مأنوس الاستعمال ولا ظاهر المعنى.
ويسمّى: الوحشيّ أيضا، نسبة إلى الوحش لنفاره وعدم تأنّسه وتألّفه، وربما قلب فقيل: الحوشي، نسبة إلى الحوش «٢» ، وهو النّفار.
قال الجوهريّ: وزعم قوم أن الحوش بلاد الجنّ وراء رمل يبرين «٣» لا يسكنها أحد من الناس، فالغريب والوحشيّ والحوشيّ كله بمعنى.