والشّحناء، وينقلهم عما تسرع إليه الطّباع الرديئة: من الحسد والإيذاء إلى التألّف والمودّة. وقد أدّب الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم بقوله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
» «١» .
الضرب الخامس آداب عشرة من يمتّ إليه بحرمة، كالجار، والقاصد، والآمل،
والمدلّ بحقّ المفاوضة، والمطاعمة، والمحاضرة، والسلام والمعرفة في الصّبا، والصداقة بين الآباء وغير ذلك من الحرم التي لا يطّرحها أهل المروءات قال ابن خلف:«وينبغي أن يوفيهم حقوقهم، وينهض بما يسنح من أوطارهم ومهمّاتهم، ويعينهم على ما يحدث من نوائب زمانهم، ويسعد في بلوغ مطالبهم من سلطانهم، ولا يضنّ عليهم بجاه ولا مال، ولا يخيّب أمل آملهم ولا قصده، ويفرض لهم من إذعانه واعتنائه ما يعزّ جانبهم، ويسهّل مآربهم، ويكفّ الضيم والظلم عنهم، ويبسط العدل والإنصاف عليهم، فإنه إذا التزم ذلك لهم التزموا له الإعظام والإجلال، وأطلقوا ألسنتهم بالثناء عليه، والاعتداد بأياديه، وأشاعوا ذلك بين أمثالهم فاجتلبوا له مودّتهم وتعصّبهم له» .
قلت: ومن تمام آداب الكاتب وكمالها أن يعرف حقوق مشايخ الصناعة وأئمتها الذين فتحوا أبوابها، وذلّلوا سبلها، وسهّلوا طرقها، ويعاملهم بالإنصاف فيما أعملوا فيه خواطرهم، وأتعبوا فيه رويّاتهم فينزلهم منازلهم ولا يبخسهم حقوقهم. فمن آفات هذه الصنعة على ذوي الفضل من أهلها أن القاصر منهم لا يمتنع من ادّعاء منزلة المبرّز بل لا يعفيه من ادّعاء التقدم في الفضل عليه، والمبرّز في الفضل لا يقدر على إثبات نقص المتخلّف وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ