[النوع السادس عشر النظر في كتب التاريخ والمعرفة بالأحوال]
اعلم أن الكاتب يحتاج إلى معرفة وقائع التاريخ، وتفاصيلها، ولا يكاد يستغني عن العلم بشيء منها لأمور: منها العلم بأزمنة الوقائع والماجريات، وأحوال الملوك والأعيان والحوادث، والماجريات الحاصلة بينهم؛ فيحتج بكل واقعة منها في موضعها، ويستشهد بها فيما يلائمها، ويحتج لمثل ذلك، فإنه متى أخلّ بمعرفة ذلك احتج بالقصة في غير موضعها، أو نسبها إلى غير من هي له، أو لبّس عليه خصمه بالاستشهاد بواقعة لا حقيقة لها، أو نسبها إلى غير من هي له ليظهر حجته عليه، وما يجري مجرى ذلك وفيه مقصدان:
المقصد الأوّل في ذكر نبذة تاريخية لا يسع الكاتب جهلها مما يحتج به الكاتب تارة ويذاكر به ملكه أو رئيسه أخرى
اعلم أن التاريخ بحر لا ساحل له، وقد أكثر الناس فيه من التصنيف على اختلاف فنونه: ما بين مختصر، ومبسوط، من مقتصر على فن، ومستوعب لفنون، وفي خلال تلك المصنّفات نوادر غريبة، ولطائف عجيبة، لا يحصل الوقوف عليها إلا بعد استيعابها بالمطالعة، كما لا يقع الظّفر بالجوهرة في المعدن إلا بعد عمل كثير يحصل في خلالها بغتة، فإذا التقطت الجواهر من المعدن، سهل تناولها لمريدها؛ وهي على ضربين:
الضرب الأوّل الأوائل
وهي معرفة مبادىء الأمور المهمة، وقد أفردها أبو هلال العسكري بالتصنيف، وأورد الثعالبيّ منها في كتابه «لطائف المعارف» نبذة صالحة، وتضمنت كتب التاريخ منها جملة مما لم يتعرضا إليه، وقد اقتصرت منها على