للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النوع الخامس المعرفة بعلوم المعاني، والبيان، والبديع؛ وفيه مقصدان]

[المقصد الأول في وجه احتياج الكاتب إلى ذلك]

اعلم أنه لمّا كانت صناعة الكتابة مبنية على سلوك سبل الفصاحة واقتفاء سنن البلاغة، وكانت هذه العلوم هي قاعدة عمود الفصاحة ومسقط حجر البلاغة، اضطرّ الكاتب إلى معرفتها، والإحاطة بمقاصدها. ليتوصّل بذلك إلى فهم الخطاب، وإنشاء الجواب، جاريا في ذلك على قوانين اللغة في التركيب، مع قوّة الملكة على إنشاء الأقوال المركّبة المأخوذة عن الفصحاء والبلغاء، من الخطب والرسائل والأشعار من جهة بلاغتها وخلّوها عن اللّكن، وتأدية المطلوب بها، وتكميل الأقاويل الشّعرية نثرا كانت أو نظما، في بلوغها غايتها وتأدية ما هو مطلوب بها، وأنها كيف تتعيّن بحسب الأغراض لتفيد ما يحصل بها من التخيل الموجب لانتقال النفس من بسط وقبض، والشيء يذكر بضدّه، فيذكر المحاسن بالذات والعيوب بالعرض.

قال أبو هلال العسكري: «فإن صاحب العربية إذا أخلّ بطلب هذه العلوم، وفرّط في التماسها، فاتته فضيلتها، وعلقت به رذيلة فوتها، وعفّى على جميع محاسنه، وعمّى سائر فضائله، لأنه إذا لم يفرق بين كلام جيّد وآخر رديء، ولفظ حسن، وآخر قبيح، وشعر نادر، وآخر بارد، بان جهله وظهر نقصه، وإذا أراد أن ينشىء رسالة أو يضع قصيدة وقد فاتته هذه العلوم، مزج الصّفو بالكدر، وخلط الغرر بالعرر «١» ؛ فجعل نفسه مهزأة للجاهل، وعبرة للعاقل. وكذلك إذا أراد تصنيف كلام منثور أو تأليف شعر منظوم وتخطّى هذه ساء اختياره، وقبحت آثاره، فأخذ الرديء المردود، وترك الجيّد

<<  <  ج: ص:  >  >>