للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرجال تطأ عقبيه، والملوك تطيع أمره والشّجعان تبذل أنفسهم بين يديه، والعدو يعرف منه خصما طالما خاطبه بلسان السيف منه إليه. وليس كلّ من قدر عليه أراده، وعكّا أقرب من خلاط وأنفع للمسلمين فتحا، وأعظم في الكفّار قدحا؛ فوالله لئن انغلق باب الشام في وجه الكفر، لتنقطعنّ آمال أهل البحر والبرّ؛ وما دام في الشام بقية من الكفر فهو يقبل الزّيادة، وينتظر النّجدة ويؤمّل الاستعادة؛ وما كرر المملوك هذا الحديث جهلا بما يجب في خدمة الملوك من الأدب في أن يتكلّم في القضية إلا من استشير فيها، ولا يجتريء على الكلام إلا إذا كان مجيبا بما يؤمر بالإجابة عنه، ولكن المملوك غلب على الصّحبة، وانقطع عن الخدمة، وعلم أنه لو كان حاضرا لكان مولانا يبسطه ولا يقبضه، ويستشفّ ما عنده ويستعرضه، ويشفّع قلبه في لسانه إذا هفا، ويحمله على صفاء ضميره فيما يقوله فلا يقابل بالتكدير من صفا؛ فقد علم الله أن المملوك يتمنّى للمسلمين أن يردّ عليهم حقّهم، وترجع إليهم بلادهم، وأن تكون هذه الأمنيّة جارية على يد مولانا ومستفادة من عزيمته، ومكتوبة في صحيفته، ومغتنمة فيما يمدّه الله في حياته؛ فإن الأمور فيما بعد ملموحة، ولكن أبواب قدرة الله مفتوحة؛ فالله يجعل منها أن يفتح على مولانا فيه بلاد الساحل، وأن يأخذ للإسلام به أهبة المقيم وللمقيم أهبة الراحل؛ وما يخلط المملوك هذا المهمّ بغيره، طالع به، ولمولانا علوّ الرأي.

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بيقبّل الأرض مصدّرا بالمملوك)

وهي من مصطلحات الدولة الأيّوبية أيضا إذا كان المكتوب عنه دون من تقدّم.

كما كتب القاضي الفاضل عن نفسه إلى السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» يهنئه بمولود ولد له:

المملوك يقبّل الأرض بالمقام العالي الناصريّ نصر الله الإسلام بمقامه، وأهلك أعداء الحقّ بانتقامه، ولا أعدم الأمة المحمدية عقد اعتزائه بكفالتها ومضاء اعتزامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>