أمضي على سنّة من والدي سلفت ... وفي أرومته «١» ما ينبت العود
فهذا وإن لم يكن من كلام العامة فإنهم يعرفون الغرض منه ويقفون على أكثر معانيه لحسن ترتيبه وجودة نسجه.
قال في «الصناعتين» : أما إذا كان لفظ الكلام غثّا، ومعرضه رثّا، فإنه يكون مردودا، ولو احتوى على أجلّ معنى وأنبله، وأرفعه وأفضله، كقول القائل:
أرى رجالا بأدنى الدّين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدّون
فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما اس ... تغنى الملوك بدنياهم عن الدّين
قال: فهو لا يدخل في جملة المختار، ومعناه كما ترى جميل، فاضل جليل، وأما الجزل الرديء الفجّ الذي ينبغي ترك استعماله فقد مر في الكلام على الغريب الحوشيّ.
[المقصد الثالث في بيان مقادير الكلام ومقتضيات إطالته وقصره]
اعلم أن الكلام المصنوع من الخطب والمكاتبات، والولايات وغيرها على ثلاثة ضروب:
الضرب الأوّل الإيجاز
وهو جمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، وعليه ورد أكثر آي القرآن الكريم، فمن ذلك قوله تعالى في مفتتح سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
. انتظم فيه خلق السموات والأرض وسائر المخلوقات لم يشذّ عنه شيء، في أوجز لفظ وأقربه وأسهله؛ ومنه قوله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ