تكرهه، فتترك حقّها له حتّى لا يطول وقوفها معه للخصام؛ وقول نصيب «١» :
فإن تصلي أصلك وإن تعودي ... بهجر بعد ذاك فلا أبالي «٢»
والعاشق يلاطف قلب محبوبه ولا يحاجّه، ويلاينه ولا يلاجّه «٣» .
[الأصل الثاني من صناعة إنشاء الكلام النظر في الألفاظ؛ والنظر فيها من وجهين]
الوجه الأوّل في فضل الألفاظ وشرفها
قد تقدّم في الكلام على المعاني أن الألفاظ من المعاني بمنزلة الثياب من الأبدان، فالوجه الصبيح يزداد حسنا بالحلل الفاخرة والملابس البهيّة، والقبيح يزول عنه بعض القبح، كما أن الحسن ينقص حسنه برثاثة ثيابه وعدم بهجة ملبوسه، والقبيح يزداد قبحا إلى قبحه. فالألفاظ ظواهر المعاني، تحسن بحسنها، وتقبح بقبحها؛ وقد قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الصناعتين» : ليس الشأن في إيراد المعاني، لأن المعاني يعرفها العربيّ والعجميّ والقرويّ والبدويّ وإنما هو في جودة اللفظ، وصفائه، وحسنه وبهائه، ونزاهته ونقائه، وكثرة طلاوته ومائه، مع صحة السّبك والتركيب، والخلوّ من أود «٤» النظم والتأليف.
قال: وليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابا، ولا يقنع من اللفظ بذلك حتّى يكون على ما تقدّم من نعوته؛ ثم قال: ومن الدليل على أن مدار البلاغة