تلاصق منها أربع ميمات في موضع وميمان في موضع، مع ما اشتملت عليه من الطّلاوة والرّونق الذي ليس في قدرة البشر الإتيان بمثله، والله أعلم.
المذهب الثاني- أن المراد بتنافر الكلمات أن تكون أجزاء الكلام غير متلائمة، ومعانيه غير متوافقة
، بأن يكون عجز البيت أو القرينة غير ملائم لصدره، أو البيت الثاني غير مشاكل للبيت الأوّل، وعليه جرى العسكريّ في «الصناعتين» ؛ فمما اختلفت فيه أجزاء البيت الواحد قول السموأل:
فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كهام ولا فينا يعدّ بخيل
فليس بين قوله ما في نصابنا كهام وقوله فنحن كماء المزن مناسبة لأن المراد بالكهام الذي لا غناء به ولا فائدة فيه، يقال قوم كهام أي لا غناء عندهم، ورجل كهام أي مسنّ، كذلك سيف كهام أي كليل، ولسان كهام أي عييّ، وفرس كهام أي بطيء، فهو يصف قومه بالنّجدة والبأس، وأنه ليس فيهم من لا يغني، وماء المزن إنما يحسن في وصف الجود والكرم. قال في «الصناعتين» : ولو قال: ونحن ليوث الحرب وأولو الصّرامة والنجدة، ما في نصابنا كهام، لكان الكلام مستويا، أو فنحن كماء المزن صفاء أخلاق وبذل أكفّ، لكان جيدا.
فالمصراع الثاني من البيت غير مشاكل لصورة المصراع الأوّل وإن كان المعنى صحيحا لأنه أراد: ولست بحلّال التّلاع مخافة السؤال ولكنني أنزل الأمكنة المرتفعة لينتابوني وأرفدهم، وهذا وجه الكلام، فلم يعبر عنه تعبيرا صحيحا، ولكنه خلطه وحذف منه حذفا كثيرا فصار كالمتنافر؛ وأدواء الكلام كثيرة.