والأصل في هذه المكاتبة أنّ يقبّل اليد وما في معناها مما يؤذن بالتعظيم، والتبجيل والتكريم، وعلوّ القدر وزيادة الرفعة، مع أنه ليس بممنوع في الشريعة.
فقد ثبت في الصحيحين في حديث الإفك:«أنه لما أنزل الله تعالى براءة أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال لها أبوها: قومي إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقبّلي يده» . ولم يكن الصدّيق، رضي الله عنه، ليأمرها بما هو ممنوع في الشريعة.
وقد نصّ الفقهاء رحمهم الله على أنه يجوز تقبيل يد العالم والرجل الصالح ونحوهما، فاستعار الكتّاب ذلك ونقلوه من الفعل إلى الكتابة أيضا، كما فعلوا في تقبيل الأرض، ورتّبوه مراتب على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. على أنّ بعض الكتّاب قد جعل «يقبّل القدم» رتبة بين «يقبّل الأرض» و «يقبّل اليد» وما في معناها، وهو ظاهر لكنه لم يشتهر في عرف الكتّاب.
[الأسلوب الحادي عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ «صدرت المكاتبة» )]
ويتخلص فيها إلى المقصود بلفظ «وتوضّح لعلمه» أو «موضّحة لعلمه» وما أشبه ذلك. ويقع الاختتام فيها بمثل «والله الموفّق» ونحو ذلك. وربما قيل فيها:«أصدرت هذه المكاتبة» أو «أصدرناها» .
وأصل هذه المكاتبة أنه كان يكتب في الدّولة السّلجوقيّة ببغداد، والدولة الأيّوبيّة بالديار المصرية «صدرت هذه الخدمة» أو «أصدرت هذه الخدمة» .
وربما كتب «صدرت هذه الجملة» فعدل عنه كتّاب الزمان بالديار المصرية ومن قاربهم إلى التعبير بقولهم: «صدرت هذه المكاتبة» . على أن كتّاب الزمان بالديار المصرية إنما أخذوها من صدور المكاتبات المفتتحة بالدعاء مثل «أعزّ الله أنصار المقرّ» ، حيث يقال في تصديرها «أصدرناها» ومثل «ضاعف الله