إلى المقام الباهر الأنوار، العزيز الجوار، فواصل هذا الموضع قبل مقدم العبد عليه، مقرّرا ما نزل به، ومستأذنا في الوجه الذي تعرّض لطلبه، فأذن له في مقصده، وانصرف عن التأهّب للحركة من بلده. ثم لما وصل العبد هذه الجهة وفرغ هو من شأنه أقبل متوجّها إلى الباب الكريم، ومتوسّلا بأمله إلى فضله العميم، والظاهر من حنقه على أهل أرغون وشدّه عداوته لهم، وما تأكّد من القطيعة بينه وبينهم، أنه إن صادف وقت فتنة معهم ووجد ما يؤمّله من إحسان الأمر العالي، أيّده الله، فينتهي من نكايتهم والإضرار بهم إلى غاية غريبة الآثار، مفضية به إلى درك الثار، وكثير من زعماء أرغون ورجالها أقاربه وفرسانه، وكلّهم في حبله حاطب، ولإنجاده متى أمكنه خاطب، وللمقام الكريم أعلى الرأي فيه أبقاه الله شافيا للعلل، وكافيا طوارق الخطب الجلل، مأمولا من ضروب الأمم وأصناف الملل، وهو سبحانه يديم سعادة جدّه، ويخصّه من البقاء الذي يسرّ أهل الإيمان ويضاعف بهجة الزمان بأطوله وأمدّه، والسّلام.
[الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بأوصاف الخلافة والثناء عليها، والخطاب فيه بأمير المؤمنين وعن المكتوب عنه بنون الجمع)]
وهذه المكاتبة من المكاتبات البديعة المسفرة عن صبح البلاغة.
ونسختها بعد البسملة على ما كتب به ابن الخطيب «١» عن سلطانه ابن الأحمر «٢» صاحب الأندلس إلى المستنصر بالله أبي إسحاق إبراهيم خليفة «٣»