وتتوخّون ما تتوسمون فيه النّجاح، لكن أهمّ الأمور عندنا، وأولى ما يوافق غرضنا وقصدنا، الرّفق بالرّعيّة، وحملها على قوانين الإحسان المرعيّة، وعلى أثر وصول كتابكم وصلنا كتاب [أهل] فلانة المذكورة يشكون ضرر الخدمة المتصرّفين فيهم، ويتظلّمون من متحيّفيهم ومتعسّفيهم، وفي هذا ما لا يخفى عليكم، ولا ترضون به لو انتهى إليكم، فإنه إذا كان الناظر في خدمة ممّن لا يحسن سياسة الأمور، ولا يعلم طريق الرّفق الحاوية لرفق الخاصّة والجمهور، أعاد التّسكين تنفيرا، والتّيسير تعسيرا، وتعلمون أنا لا نقدّم على إيثار العدل في عباد الله المسلمين عملا، ولا نبغي لهم باطنة بغير التخفيف عنهم والإحسان إليهم بدلا، وأنتم أوّل وأولى من يعتقد فيه أنه يكمّل هذا المقصد، ويتحرّى في مصالح الرعايا هذا السّنن الأرشد، وقد خاطبنا أهل فلانة بما يذهب وجلهم، ويبسط أملهم، وعرّفناهم بأنكم لو علمتم ما هو جار عليهم من [بعض] الخدمة لأخذتم على يده، وجازيتموه بسوء معتمده، وأشعرناهم بأنّا قد استوصيناكم بهم خيرا، ونبّهناكم على ما يدفع عنهم ضيما ويرفع ضيرا، وأنتم- إن شاء الله- تستأنفون نظرا جميلا، وتؤخّرون عنهم الخدمة الذين لا يسلكون من السّياسة سبيلا، وتقدّمون عليهم من تحسن فيهم سيرته، وتكرم في تمشية الرّفق علانيته وسريرته، ومثلكم لا يؤكّد عليه في مذهب تحسن عواقبه، وغرض يوافقه القصد الاحتياطيّ ويصاحبه، إن شاء الله تعالى.
الصنف الثالث عشر (المكاتبات عند حدوث الآيات السّماويّة)
قال في «مواد البيان» : جرت العادة أن يكتب السلطان إلى الرعايا- عند حدوث الآيات المهوّلة التي يريد الله تعالى بها إرشاد عباده إلى الإقلاع عن معصيته، والإقبال على طاعته، كالرّياح العواصف، والزّلازل والصواعق، واحتباس القطر وخروجه في التّسكاب عمّا جرت به العادة- كتبا يضمّنها من الوعظ الشافي الرّقيق ما يأخذ بمجامع القلوب، ويشعرها التّقوى والرّهبة، ويبعث على المراقبة والنّظر في العاقبة.