[المقصد الثاني في كيفية استعمال آيات القرآن الكريم]
واعلم أن تضمين الكلام بعض آي القرآن الكريم ينقسم عند أهل البلاغة إلى قسمين:
أحدهما- الاستشهاد بالقرآن الكريم
، وهو أقلهما وقوعا في الكلام ودورانا في الاستعمال: وهو أن يضمن الكلام شيئا من القرآن الكريم، وينبه عليه مثل قول الحريري في مقاماته: فقلت وأنت أصدق القائلين (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)
«١» . وقول أبي إسحاق في عهد لملك عن خليفة بعد الأمر بالتقوى والحث عليها: فإذا اطلع الله منه على نقاء جيبه، وطهارة ذيله، وصحة مروءته، واستقامة سيرته، أعانه على حفظ ما استحفظه، وأنهضه بثقل ما حمله، وجعل له مخلصا من الشبهة، ومخرجا من الحيرة.
فقد قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)
«٢» وقد قال الله عز وجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
«٣» وقال عز اسمه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
«٤» إلى آي كثيرة حضنا بها على كرم الخلق، وأسلم الطرق؛ فالسعيد من نصبها رأي ناظره، والشقي من نبذها وراء ظهره، وأشقى منه من يحث عليها وهو صادف عنها، فأجاب إليها وهو بعيد منها. وله ولأمثاله يقول الله عز وجل (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)