للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يحكى في ذلك: أن قيصر ملك الرّوم أهدى إلى كسرى ملك الفرس عقابا، وكتب إليه: إنها تعمل أكثر من عمل الصّقور؛ فأمر بها كسرى فأرسلت على ظبي فاقتنصته، فأعجبه ما رأى منها فانصرف وجوّعها ليصيد بها فوثبت على صبيّ له فقتله؛ فقال كسرى: إن قيصر قد جعل بيننا وبينه دما ثائرا بغير جيش، ثم إن كسرى أهدى إلى قيصر نمرا وكتب إليه: أن قد بعثت إليك فهدا يقتل الظباء وأمثالها من الوحش، وكتم ما صنعت العقاب، فأعجب قيصر حسن النمر ووافق صفته ما وصف من الفهد، وغفل عنه فافترس بعض فتيانه فقال: صادنا كسرى.

ومن شأنها: أنها لا تطلب شيئا من الوحش الذي تصيده؛ وهي لا تقرب إنسانا أبدا خوفا من أن يطلب صيدها، ولا تزال مرقبة «١» على مرقب عال؛ فإذا رأت بعض سباع الطير قد صاد شيئا انقضّت عليه، فإذا أبصرها هرب وترك الصيد لها؛ فإن جاعت لم يمتنع عليها الذئب في صيدها، وربما اغتالت البزاة فقتلتها.

ومن خصائصها: أنها أشدّ إخفاء لفراخها من سائر الطير.

قال غطريف بن قدامة الغساني صاحب صيد هشام بن عبد الملك: وأوّل من لعب بالعقاب أهل المغرب؛ فلما عرفوا أسرارها نفّذوها إلى ملك الروم فاستدعى جميع حكمائه فقال لهم: انظروا في قوّة هذا الطير وعظم سلاحه، كيف تجب تربيته، وتعرّفوا أسراره في صيده وتعليمه، وكيف ينبغي أن يكون؟ فأجابوا جميعا:

بأن هذا الطائر دون سائر أجناسه كالأسد في سائر الوحوش، وكما أن الأسد ملك كذلك هذا ملك بين سائر سباع الطير. وعند العداوة والغضب كلّ الأجناس عنده من سائر الحيوان على اختلاف أنواعه واحد لقوّة غضبه وشدّة بأسه، فهو لا يستعظم الآدميّ ولا غيره من الحيوان.

الضرب الثاني- «الزّمّج» -

بضم الزاي وفتح الميم المشدّدة ثم جيم- والعامّة تبدل الزاي جيما والجيم زايا، وهو طائر معروف تصيد به الملوك الوحش،

<<  <  ج: ص:  >  >>