بعض نواحي الديار المصرية أو الممالك الشامية، ركب البريديّ على فرس له، يسير بها الهوينا سير المسافر إلى المكان الذي يريده، ثم يعود على هذه الصورة، فيحصل بواسطة ذلك الإبطاء في الذّهاب والإياب.
[الأمر الثالث (بيان معالم البريد)]
إعلم أنه كان فيما تقدّم في زمن الخلفاء للبريد شخص مخصوص يتولّى أمره بتنفيذ ما يصدر وتلقّي ما يرد، يعبّر عنه ب «صاحب البريد» . وممن تعرّض إلى ذكر ذلك أبو جعفر النّحّاس «١» في كتابه «صناعة الكتّاب» في الكلام على أرباب الوظائف، واشتقاق أسمائهم. وقد أشار إليه الجوهريّ في صحاحه أيضا فقال: ويقال أبرد صاحب البريد إلى الأمير فهو مبرد يعني أرسل إليه البريد.
ثم قد تقدّم في مقدّمة الكتاب في الكلام على صاحب ديوان الإنشاء وماله التّحدّث عليه- أن صاحب ديوان الإنشاء وماله التّحدّث عليه- أن صاحب ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية هو المتولّي لأمر البريد وتنفيذ أموره في الإيراد والإصدار. وكان للبريد ألواح من فضّة مخلّدة بديوان الإنشاء تحت أمر كاتب السّرّ بالأبواب السلطانية، منقوش على وجهي اللّوح نقشا مزدوجا ما صورته:«لا إله إلا الله محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون. ضرب بالقاهرة المحروسة» . وعلى الوجه الآخر ما صورته:
«عزّ لمولانا السّلطان الملك الفلانيّ: فلان الدّنيا والدّين، سلطان الإسلام والمسلمين، فلان، ابن مولانا السلطان الشهيد الملك الفلانيّ فلان، خلّد الله ملكه»«٢» . وفي ذلك اللوح ثقب معلّق به شرّابة من حرير أصفر ذات