ذات بينهم وتنازعهم، فلم يكن بينهم إلا الرّسل على الخيل والبغال، في كلّ أرض بحسبها.
فلما جاءت الدّولة الزّنكيّة أقامت لذلك النّجّابة «١» ، وأعدّت له النّجب المنتخبة. ودام ذلك مدّة زمانها ثم زمان بني أيّوب إلى انقراض دولتهم.
وتبعها على ذلك أوائل الدّولة التّركية، حتّى صار الملك إلى الملك الظاهر بيبرس رحمه الله، واجتمع له ملك مصر والشام وحلب إلى الفرات، وأراد تجهيز دولته إلى دمشق فعيّن لها نائبا، ووزيرا، وقاضيا، وكاتبا للإنشاء.
قال: وكان عمّي الصاحب شرف الدّين أبو محمد عبد الوهّاب رحمه الله هو كاتب الإنشاء، فلما مثل إليه ليودّعه، أوصاه وصايا كثيرة، آكدها مواصلته بالأخبار وما يتجدّد من أخبار التّتار والفرنج، وقال له: إن قدرت أن لا تبيّتني كلّ ليلة إلا على خبر [ولا تصبّحني إلا على خبر]«٢» فافعل، فعرّض له بما كان عليه البريد في الزّمان الأوّل وأيام الخلفاء، وعرضه عليه فحسن موقعه منه وأمر به. قال عمّي: فكنت أنا المقرّر له قدّامه وبين يديه. ثم ذكر أنه لم يزل باقيا على ذلك إلى أيّامه. ثم قال: وهو جناح الإسلام الذي لا يحصّ «٣» ، وطرف قادمته التي لا تقصّ.
قلت: ولم يزل البريد بعد ذلك مستقرّا بالديار المصريّة والممالك الشّاميّة إلى أن غشي البلاد الشامية تمرلنك صاحب ما وراء النّهر، وفتح دمشق وخرّبها وحرّقها في سنة أربع وثمانمائة، فكان ذلك سببا لحصّ جناح البريد وبطلانه من سائر الممالك الشامية. ثم سرى هذا السّمّ إلى الدّيار المصرية فألحقها بالهمل، ورماها بعد الحلي بالعطل، فذهبت معالم البريد من مصر والشام، وعفت آثاره، وصار إذا عرض أمر من الأمور السلطانية في