المعاصي الوبيّة «١» » ونحو ذلك من الافتتاحات البهجة، والابتداآت الرائقة، مما ستقف على الكثير منه في خلال هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
الأصل الثاني (أن يأتي في ابتداء المكاتبة ببراعة الاستهلال المطلوبة في كلّ فنّ من فنون الكلام)
بأن يأتي في صدر المكاتبة بما يدلّ على عجزها؛ فإن كان الكتاب بفتح، أتى في أوّله بما يدلّ على التهنئة، أو بتعزية أتى في أوّله بما يدلّ على التعزية، أو في غير ذلك من المعاني أتى في أوّله بما يدلّ عليه؛ ليعلم من مبدإ الكتاب ما المراد منه. كما يحكى أن عمرو بن مسعدة كاتب المأمون أمر كاتبه أن يكتب إلى الخليفة كتابا يعرّفه فيه أن بقرة ولدت عجلا وجهه وجه إنسان، فكتب:«أمّا بعد حمد الله خالق الأنام، في بطون الأنعام» . وفضلاء الكتّاب وأئمتهم يعتنون بذلك كلّ الاعتناء، ويرون تركه إخلالا بالصنعة، ونقصا في الكتابة، حتّى أن الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر قد عاب أبا إسحاق الصابي على جلالة قدره في الكتابة، واعترافه له بالتقدّم في الصناعة، بكتاب كتبه بفتح بغداد وهزيمة التّرك فقال في أوّله:
«الحمد لله ربّ العالمين، الملك الحقّ المبين؛ الوحيد الفريد، العليّ المجيد؛ الذي لا يوصف إلا بسلب الصّفات، ولا ينعت إلا برفع النّعوت؛ الأزليّ بلا ابتداء، الأبديّ بلا انتهاء، القديم لا منذ أمد محدود، الدائم لا إلى أجل معدود، الفاعل لا من مادّة امتدّها، الصانع لا بآلة استعملها، الذي لا تدركه الأعين بألحاظها، ولا تحدّه الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهزمه الدّهور بكرورها، ولا تجاريه أقدام النّظراء والأشكال، ولا تزاجمه مناكب القرناء والأمثال، بل هو الصّمد الذي لا كفء له، والفرد الذي