قد تقدّم أن معظم هذه المملكة في الإقليم الثالث. قال ابن سعيد: والإقليم الثالث هو صاحب سفك الدماء، والحسد، والحقد، والغلّ، وما يتبع ذلك. ثم قال: وأنا أقول: إن الإقليم الثالث وإن كثرت فيه الأحكام المرّيخيّة على زعمهم، فإن للمغرب الأقصى من ذلك الحظّ الوافر، لا سيّما في جهة السّوس وجبال درن، فإن قتل الإنسان عندهم كذبح العصفور، قال وكم قتيل قتل عندهم على كلمة وهم بالقتل يفتخرون. ثم قال: إن الغالب على أهل المغرب الأقصى كثرة التنافس المفرط، والمحاققة، وقلة التغاضي، والتهوّر، والمفاتنة.
أما البخل فإنما هو في أراذلهم، بخلاف الأغنياء، فإن في كثير منهم السماحة المفرطة والمفاخرة بإطعام والاعتناء بالمفضول والفاضل.
المقصد الثالث (في ذكر ملوكها، وما يندرج تحت ذلك: من انتقال الملك من الموحّدين إلى بني مرين والتعريف بالسلطان أبي الحسن الذي أشار إليه في كلامه في «التعريف» . وهم على طبقات)
[الطبقة الأولى (ملوكها قبل الإسلام)]
قد تقدّم أن بلاد المغرب كلّها كانت مع البربر، ثم غلبهم الرّوم الكيتم عليها ثم افتتحوا قرطاجنّة وملكوها، ووقع بين البربر والرّوم فتن كثيرة كان آخرها أن وقع الصلح بينهم على أن تكون البلاد والمدن الساحليّة للروم، والجبال والصحارى للبربر، ثم زاحم الفرنج الروم في البلاد، وجاء الإسلام والمستولي عليها من ملوك الفرنجة جرجيس ملكهم، وكان ملكه متصلا من طرابلس إلى البحر المحيط، وكرسيّ ملكه بمدينة سبيطلة، ومن يده انتزعها المسلمون عند الفتح.