واستجلابا للقلوب، وصونا للسر عن اطّلاع ترجمان عليه؛ وأمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لزيد ابن ثابت بتعلّم السريانية أو العبرانية على ما تقدّم ظاهر في طلب ذلك من الكاتب وحثّه عليه.
ثم اللغات العجمية على ضربين: أحدهما ما له قلم يكتب به في تلك اللغة كاللغة الفارسية، واللغة الرومية، واللغة الفرنجية ونحوها؛ فإن لكل منها قلما يخصّه يكتب به في تلك اللغة. والثاني ما ليس له قلم يكتب به، وهي لغات القوم الذين تغلب عليهم البداوة كالترك والسّودان. ولأجل ذلك ترد الكتب من القانات ملوك الترك ببلاد الشّمال المعروف في القديم ببيت بركة، والآن بمملكة أزبك باللغة المغلية بالخط العربي، وترد الكتب الصادرة عن ملوك السودّان باللفظ العربيّ والخط العربيّ. أما اللغات التي لها أقلام تخصها فإن كتبهم ترد بخطهم ولغتهم: كالكتب الواردة من ملوك الروم والفرنج ونحوهما ممن للغته قلم يخصه على اختلاف الألسنة واللغات.
[النوع الثالث المعرفة بالنحو؛ وفيه مقصدان]
المقصد الأوّل في بيان وجه احتياج الكاتب إليه
لا نزاع أن النحو هو قانون اللغة العربية، وميزان تقويمها؛ وقد تقدّم في النوع الأوّل أن اللغة العربية هي رأس مال الكاتب، وأسّ مقاله، وكنز إنفاقه.
وحينئذ فيحتاج إلى المعرفة بالنحو وطرق الإعراب، والأخذ في تعاطي ذلك حتّى يجعله دأبه، ويصيّره ديدنه: ليرتسم الإعراب في فكره، ويدور على لسانه، وينطلق به مقال قلمه وكلمه، ويزول به الوهم عن سجيّته، ويكون على بصيرة من عبارته. فإنه إذا أتى من البلاغة بأعلى رتبة ولحن في كلامه، ذهبت محاسن ما أتى به، وانهدمت طبقة كلامه وألغي جميع ما حسّنه،