للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخوفات والمهولات والطوارق، وأن يكون مع ذلك مكانا رائقا معجبا، رقيق الحواشي، فسيح الأرجاء، بسيط الرّحاب، غير غمّ ولا كدر، فإن انضمّ إلى ذلك ما فيه بسط للخاطر: من ماء وخضرة وأشجار وأزهار وطيب رائحة، كان أبسط للفكر وأنجح للخاطر.

وقد ذهب بعضهم إلى أنه ينبغي خلوّ المكان من النقوش الغريبة، والمرائي المعجبة، فإنها وإن كانت مما ينشّط الخاطر فإن فيها شغلا فيتبعه القلب فيتشتّت.

[المقصد الثاني من الطرف الثالث في بيان طرق البلاغة ووجوه تحسين الكلام،]

وكيفية إنشائه وتأليفه، وتهذيبه، وتأديته، وبيان ما يستحسن من الكلام المصنوع، وما يعاب به أما إنشاؤه وتأليفه فقد قال ابن أبي الأصبع في «تحرير التحبير» : يجب على كل من كان له ميل إلى عمل الشعر وإنشاء النثر أن يتعهد أوّلا نفسه ويمتحنها بالنظر في المعاني، وتدقيق الفكر في استنباط المخترعات؛ فإذا وجد لها فطرة سليمة، وجبلّة موزونة، وذكاء وقّادا، وخاطرا سمحا، وفكرا ثاقبا، وفهما سريعا، وبصيرة مبصرة، وألمعيّة مهذّبة، وقوة حافظة، وقدرة حاكية، وهمة عالية، ولهجة فصيحة، وفطنة صحيحة، أخذ حينئذ في العمل، وإن كان بعض ذلك غير لازم لرب الإنشاء، ولا يضطرّ إليه أكثر الشعراء، ولكن إذا كملت هذه الصفات في الكاتب والشاعر، كان موصوفا في هذه الصناعة بكمال الأوصاف النفيسة.

قال أبو هلال العسكري في «الصناعتين» : إذا أردت أن تصنع كلاما فأخطر معانيه ببالك، ونقّ له كرائم اللفظ فاجعلها على ذكر منك ليقرب عليك تناولها، ولا يتعبك تطلّبها، واعمله ما دمت في شباب نشاطك، فإذا غشيك الفتور، وتخوّنك الملال، فأمسك، فإن الكثير مع الملال قليل، والنفيس مع الضّجر خسيس، والخواطر كالينابيع يسقى منها شيء بعد شيء، فتجد حاجتك من

<<  <  ج: ص:  >  >>