نعم، دخل عليه سلمان فقال له «درسته وسادته» قال محمد بن أميل «١» : أظنه مرحبا وأهلا. وحينئذ فيكون النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّما أمر زيدا بتعلّم كتابة السّريانية أو العبرانية لتحريم الكتابة عليه لا أنه أمره بتعلّم لغتهم.
المقصد الثاني في بيان ما يتصرّف فيه الكاتب من اللغة العجمية
اعلم أن الذي ينبغي له تعلّمه من اللغات العجمية هو ما تتعلّق به حاجته في المخاطبة والمكاتبة.
أما المخاطبة فبأن يكون لسان ملكه بعض الألسن العجمية، أو كان الغالب عليه لسان عجمّي مع معرفته بالعربية: كما غلبت اللغة التركية على ملوك الديار المصرية؛ وكما غلبت اللغة الفارسية على ملوك بلاد العراق وفارس، وكما غلب لسان البربر على ملوك بلاد المغرب مع تبعيّة عسكر كل ملك في اللسان الغالب عليه له في ذلك فيحتاج الكاتب إلى معرفة لسان السلطان الذي يتكلم به هو وعسكره ليكون أقرب إلى حصول قصده: من فهم الخطاب وتفهيمه، وسرعة إدراك ما يلقى إليه من ذلك، وتأدية ما يقصد تأديته منه، مع ما يحصل له من الحظوة والتقريب بالموافقة في اللسان؛ فإن الشخص يميل إلى من يخاطبه بلسانه لا سيما إذا كان من غير جنسه كما تميل نفوس ملوك الديار المصرية وأمرائها وجندها لمن يتكلم بالتركية: من العلماء والكتّاب ومن في معناهم على ما هو معلوم مشاهد.
وأما المكاتبة فبأن يكون يعرف لسان الكتب الواردة على ملكه ليترجمها له ويجيب عنها بلغتها التي وردت بها؛ فإن في ذلك وقعا في النفوس،