أعين الإسلام، وأثلج صدور اللّيالي والأيّام؛ وذلك أنّا من حين صدر من عدوّ الملّة في الجزيرة ما صدر، حسب ما جرّه محتوم القدر، لم نزل نبيح لأساطيلنا المنصورة حرمه وحماه، ونطرق طروق الغارة الشّعواء بلاده وقراه، ونكتسح بأيدي الاستلاب ما جمعت بها يداه، إلى أن ذاقوا من ذلك وبال أمرهم، وتعرّفوا عاقبة مكرهم.
وكان من جزائرهم المعترضة شجا في حلوق الخطّار، ومتجشّمي الأخطار، وركّاب البحار، من الحجّاج والتّجار، جزيرة «غودش» وبها من أعداء الله جمّ كثير، وجمع كبير، فأرسلنا عليهم من أسطولنا المنصور غربانا نعقت عليهم بالمنون، وعرّفت المسلمين بركة هذا الطائر الميمون، وشحنّاها عددا وعددا، واستمددنا لها من الله ملائكة سمائه مددا، فسارت تحت أجنحة النّجاح إليها، وتحوم إلى أن رمت مخالب مراسيها عليها، فلما نزلوا بساحتها، وكبّروا تكبيرة الإسلام لإباحتها، بهت الذي كفر، وودّ الفرار والحين يناديه: أين المفرّ؟ فلما قضى السيف منهم أوطاره، وشفى الدّين من دمائهم أواره، وشكر الله من المسلمين أنصاره، عمدوا إلى ما تخطّاه السيف من والد وولد، ومن أخلد إلى الأرض من رجالهم عن المدافعة فلم يعترضه بالقتل منهم أحد، فجمعوا منه عددا ينيف بعد الأربعمائة على الأربعين، وجاؤوا بهم في الأصفاد مقرّنين، وامتلأت بغنائمهم والحمد لله أيدي المسلمين، وانقلبوا فرحين بما آتاهم الله مستبشرين، إلى أن دخلوا حضرتنا العليّة بسلام آمنين.
فعرّفناكم بهذا الفتح لتأخذوا بحظّكم من شكر الله عليه، وتتوجّهوا في مثله بصالح أدعيتكم إليه، وهو سبحانه وتعالى يطلعنا ويطلعكم على ما يسرّ النفوس ويهنّيها، ويجلو وجوه البشائر ويبديها، بمنّه وكرمه، والسّلام العطر المحيا الجميل المحيّا عائد عليكم ورحمة الله وبركاته.
[الجملة الثانية (في المكاتبات الواردة عن صاحب «تلمسان» من بني عبد الواد)]
ورسم مكاتبته فيما وقفت عليه في المكاتبة الواردة على صاحب