فقد حكي عن عليّ بن زيد الكاتب: أنه صحب بعض الملوك فقال للملك: «أصحبك على ثلاث خلال- قال وما هي؟ - قال لا تهتك لي سترا، ولا تشتم لي عرضا، ولا تقبل فيّ قول قائل حتّى تستبرىء. فقال له الملك:
هذه لك عندي فمالي عندك؟ قال: لا أفشي لك سرّا، ولا أؤخّر عنك نصيحة، ولا أوثر عليك أحدا- قال: نعم الصاحب المستصحب أنت!.
فإذا انتهى إلى صاحب الديوان خبر يتعلق بجلب منفعة إلى المملكة أو دفع مضرة عنها، أطلع السلطان عليه في أسرع وقت وأعجله قبل فوات النظر فيه ونحله فيه صائب رأيه، ثم ردّ النظر فيه إلى رأي السلطان ليخرج عن عهدته. وإن ارتاب في خبر المخبر أحضره معه إلى السلطان ليشافهه فيه حتّى يكون بريئا عن تبعته، ولا يهمل تبليغ خبره بمجرّد الريبة لاحتمال صحته في نفس الأمر فيلحق بواسطة إهماله ضرر لا يمكن تداركه. وكذلك الحال في سائر ما يرجع إلى صلاح المملكة وحسن تدبيرها.
[الفصل الرابع في ذكر وظائف ديوان الإنشاء بالديار المصرية]
، وما يلزم ربّ كل وظيفة منهم فيما كان الأمر عليه في الزمن القديم واستقرّ عليه الحال في زماننا.
أما في الزمن القديم فقد ذكر أبو الفضل الصّوريّ في مقدّمة تذكرته أن أرباب الوظائف فيه على ضربين:
الضرب الأوّل- الكتّاب وقد عدّاهم إلى سبع «١» كتّاب
الأوّل- كاتب ينشيء ما يكتب من المكاتبات والولايات
، تتصدّى للإنشاء ملكته وغريزة طبعه. قال: ويجب أن يكون هذا الكاتب لا حقا بصفات متولّي الديوان بحيث يكون كاملا في الصفات، مستوفيا لشروط الكتابة؛ عارفا