[الضرب الثاني ديوان الإنشاء، وكان يتعلق به عندهم ثلاث وظائف:]
الأولى- «صحابة ديوان الإنشاء والمكاتبات»
وكان لا يتولّاه إلا أجل كتاب البلاغة، ويخاطب بالأجلّ؛ وكان يقال له عندهم كاتب الدّست الشريف، وإليه تسلّم المكاتبات الواردة مختومة فيعرضها على الخليفة من يده، وهو الذي يأمر بتنزيلها والإجابة عنها؛ ويستشيره الخليفة في أكثر أموره؛ ولا يحجب عنه متى قصد المثول بين يديه، وربما بات عنده الليالي، ولا سبيل إلى أن يدخل إلى ديوانه ولا يجتمع بكتّابه أحد إلا خواصّ الخليفة. وله حاجب من أمراء الشّيوخ، وله مرتبة عظيمة للجلوس عليها بالمخادّ والمسند، ودواته من أخصّ الدّويّ وأحسنها إلا أنه ليس لها كرسيّ توضع عليه كدواة قاضي القضاة، ويحملها له أستاذ من الأستاذين المختصين بالخليفة إذا أتى إلى حضرته «١» .
الثانية- «التوقيع بالقلم الدقيق في المظالم»
وهي رتبة جليلة تلي رتبة صاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات، يكون صاحبها جليسا للخليفة في أكثر أيام الاسبوع في خلوته، يذاكره ما يحتاج إليه من كتاب الله تعالى أو أخبار الأنبياء والخلفاء الماضين، ويقرأ عليه ملح السّير، ويكرر عليه ذكر مكارم الأخلاق، ويقوّي يده في تجويد الخط وغير ذلك. وصحبته للجلوس دواة محلّاة، فإذا فرغ من المجالسة ألقى في الدواة كاغدة فيها عشرة دنانير، وقرطاس فيه ثلاثة مثاقيل ندّ مثلّث خاصّ ليتبخر به عند دخوله على الخليفة ثاني دفعة. وإذا جلس الوزير صاحب السيف للمظالم، كان إلى جانبه يوقّع بما يأمر به في المظالم. وله موضع من حقوق ديوان المكاتبات لا يدخل إليه أحد إلا بإذن، وفرّاش لتقديم القصص؛ ويرفع إليه هناك قصص المظالم ليوقّع عليها بما يقتضيه الحال كما يفعل كاتب السر الآن.