فالله ربّ النّاس فاطرنا ... يؤتيه ما يربي على وطره!!
الصنف الثاني (من الرسائل ما يرد منها مورد المدح والتّقريض)
إما بأن يجعل المدح مورد الرّسالة ويصدّر بمدح ذلك الشّخص المراد، وإما بأن يصدّر بما جرية «١» يحكيها المنشيء ويتخلّص منها إلى مدح من يقصد مدحه وتقريضه، وما يجري مجرى ذلك. وللكتّاب وأهل الصّناعة في ذلك أفانين مختلفة المقاصد، وطرق متباينة الموارد.
وهذه نسخة رسالة أنشأها أبو عمرو عثمان بن بحر الجاحظ سمّاها «رسالة الشّكر» قصد بها تقريض وزير المتوكّل وشكر نعمه لديه، مصدّرا لها بذكر حقيقة الشّكر وبيان مقاصده؛ وهي:
جعلت فداك، أيّدك الله وأكرمك وأعزّك، وأتمّ نعمته عليك وعندك.
ليس يكون الشّكر- أبقاك الله- تامّا، ومن حدّ النّقصان خارجا، حتّى يستصحب أربع خلال، ويشتمل على أربع خصال:
[الخصلة الاولى] أوّلها: العلم بموقع النّعمة من المنعم عليه
، وبقدر انتفاعه بما يصل إليه من ذلك: من سدّ خلّة، أو مبلغ لذّة وعلوّ في درجة، مع المعرفة بمقدار احتمال المنعم للمشقّة، والذي حاول من المعاناة والكلفة في بذل جاه مصون، أو مفارقة علق ثمين. وكيف لا يكون كذلك؟ وقد خوّل من نعمه بعض ما كان حبيسا على حوادث عدّة، فزاد في نعم غيره بما انتقص من نعم نفسه وولده. فكلّما تذكّر الشاكر ما احتمل من مؤونة البذل، سهل عليه احتمال ما نهض به من ثقل الشّكر.
والخصلة الثانية: الحرّيّة الباعثة على حبّ المكافأة