ولا لسان، ولقد بلغني أن عبيد الله بن سليمان «١» ذكرني بجميل فحاولت أن أكتب إليه رقعة أشكره فيها وأعرّض ببعض أموري، فأتعبت نفسي يوما في ذلك فلم أقدر على ما أرتضيه منها، وكنت أحاول الإفصاح عما في ضميري فينحرف لساني إلى غيره، ولذلك قيل: زيادة المنطق على الأدب خدعة، وزيادة الأدب على المنطق هجنة.
فقد تبين لك أن العبرة وبالطبع وأنه الأصل المرجوع إليه في ذلك؛ على أن الطبع بمفرده لا ينهض بالمقصود من ذلك نهوضه مع اشتماله على الموادّ المساعدة له على ذلك من الأنواع السابقة فيما تقدّم في أوّل هذه المقالة، من العلم باللغة والنحو والتصريف والمعاني والبيان والبديع، وحفظ كتاب الله تعالى، والإكثار من حفظ الأحاديث النبوية، والأمثال والشعر والخطب، ورسائل المتقدّمين وأيام العرب وما يجري مجرى ذلك مما يكون مساعدا للطبع، ومسهّلا طريق التأليف والنظم، بل يتفاوت في العلوّ والهبوط بحسب التفاوت في ضعف المساعد من ذلك وقوّته؛ إذ معرفته هذه الأمور قائمة من الإنشاء مقام المادة، والطبع قائم منه مقام الآلة، فلا يتم الفعل وإن قامت الصورة في نفس الصانع ما لم توحد المادّة والآلة جميعا، ولو كان حصول المادّة كافيا في التوصل إلى حسن التأليف الذي هو نظم الألفاظ المتناسبة وتطبيقها على المعاني المساوية لكانت صناعة الكلام المؤلّف من الرسائل والخطب والأشعار سهلة، والمشاهد بخلاف ذلك، لقصور الأفاضل عن بلوغ هذه الدرجة.
وأما خلوّ الفكر عن المشوّش فإنه يرجع إلى أمرين:
الأمر الأوّل صفاء الزمان
فقد قال أبو تمام الطائيّ في وصيته لأبي عبادة البحتريّ مرشدا له للوقت