على مواقع البلاغة ولا يطمع الخاطر بالاتكال على إيراد فصل منها برمته لمخالفته لأسلوب الكتاب في أكثر الأمور.
وأما النظر في رسائل البلغاء من فضلاء الكتاب، فلما في ذلك من تنقيح القريحة، وإرشاد الخاطر، وتسهيل الطّرق، والنسج على منوال المجيد، والاقتداء بطريقة المحسن، واستدراك ما فات، والاحتراز مما أظهره النقد، وردّ ما بهرجه السبك. واقتصر على النظر فيها دون حفظها لئلا يتكل الخاطر على ما يأتي بأصله مما ليس له فيتشبع بما لم يعط فيكون كلابس ثوبي زور. اللهم إلا أن يريد بحفظها المحاضرة دون الإنشاء فإن اللائق به الحفظ دون غيره.
المقصد الثاني في ذكر شيء من مكابتات الصدر الأوّل يكون مدخلا إلى معرفة ما يحتاج إلى حفظه من ذلك
أما مكاتباتهم المشتملة على المحاورة والمراجعة، فمنها ما كتب به معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في زمن المشاجرة بينهما، وهي «١» :
أما بعد، فإن الله اصطفى محمدا، وجعله الأمين على وحيه، والرسول إلى خلقه، واختار له من المسلمين أعوانا أيّده بهم، وكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم في الإسلام، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة وخليفة الخليفة، والخليفة الثالث؛ فكلّهم حسدت، وعلى كلهم بغيت. عرفنا ذلك في نظرك الشّزر، وتنفّسك الصّعداء، وإبطائك على الخلفاء، وأنت في كل ذلك تقاد كما يقاد البعير المخشوش «٢» حتّى تبايع