وتدخل القصص إليه، فارتشى بعض أصحابه بتقديم بعضها، فاتخذ بيتا له شبّاك حديد على الطريق تطرح فيه القصص، وكان يدخله وحده فيأخذ ما يقع بيده من القصص أوّلا فأوّلا فينظر فيه لئلّا يقدّم بعضها على بعض.
قال: وقدم عليه رجل فتظلّم فأنصفه فاستخفّه الفرح حتّى غشي عليه، فلمّا أفاق قال: ما حسبت أني أعيش حتى أرى هذا العدل فلما رأيته داخلني من السرور ما زال معه عقلي- فقال له المهديّ: كان الواجب أن ننصفك في بلدك، وكان قد صرف في نفقة طريقه عشرين دينارا فأمر له بخمسين دينارا وتحلّل منه.
قال أبو الفضل الصّوريّ: ومهما كان من الرّقاع يحتاج إلى العرض على السلطان، عرضه عليه، وأحسن السّفارة والتلطّف فيه، ووقّع بما يؤمر به، فقد تحدث في هذه الرقاع الأمور المهمّة التي تنتفع بها الدولة، وتستضرّ بتأخير النظر فيها، ويفهم من طيّ هذه الرقاع من جور بعض الولاة والمستخدمين ما توجب السياسة صرفهم عمّا ولّوه منها. ومهما كان منها مما يشكّ السلطان في صحته، ندب من يثق به للكشف مع رافعه، فإن صحّ قوله أنصف من خصمه، وإن بان تمحّله قوبل بما يردع أمثاله عن الكذب والتمرّد، ويعلم الولاة والمشارفون وسائر المستخدمين أنّ السلطان متفرّغ للنظر في قصص الناس وشكاويهم، وقد نصب لذلك من يتفرّغ له ويطالعه بالمهمّ منه فيكفّ أيديهم عن الظلم، ويحذرون سود عاقبة فعلهم، ويقلّ المتظلّمون قولا واحدا، وتحسن سمعة الدولة بذلك فيكون لها به الجمال الكبير.
قلت: والذي يرفع من القصص في معنى ذلك في زماننا على ستة أنواع.
النوع الأوّل منها (ما يرفع إلى السلطان في آحاد الأيّام)
وقد جرت العادة فيه أن يقرأ على السلطان: فما أمضاه منه كتب على ظهر