وهي الخاصة ببلد دون بلد، ويتولّى عمارتها المقطعون بالبلاد: من الأمراء والأجناد وغيرهم، من أموال البلاد الجارية في إقطاعهم؛ ولها ضرائب مقرّرة في كل سنة.
قال ابن ممّاتي في «قوانين الدواوين» : والفرق بين السلطانية والبلدية أن السلطانية جارية مجرى سور المدينة الذي يجب على السلطان الاهتمام بعمارته والنظر في مصلحته وكفاية العامة أمر الفكرة فيه، والبلدية جارية مجرى الآدر والمساكن التي داخل السور، كلّ صاحب دار منها ينظر في مصلحتها ويلتزم تدبير أمره فيها. قال: وقد جرت عادة الديوان أن المقطع المنفصل إذا أنفق شيئا من إقطاعه في إقامة جسر لعمارة السنة التي انتقل الخير عنه لها، استعيد له نظير منفقه من المقطع الثاني؛ وكذلك كل ما أنفقه من مال سنته في عمارة سنة غيره كان له استعادة نظيره.
قلت: وقد أهمل الاهتمام بأمر الجسور في زماننا، وترك عمارة أكثر الجسور البلدية، واقتصر في عمارة الجسور السلطانية على الشيء اليسير الذي لا يحصل به كبير نفع، ولولا ما منّ الله تعالى به على العباد من كثير الزيادة في النيل من حيث إنه صار يجاوز تسعة عشر ذراعا فما فوقها إلى ما جاوز العشرين، لفات ريّ أكثر البلاد وتعطلت زراعتها فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً
«١» وإلا فقد كان النيل في الغالب يقف على سبع عشرة ذراعا فما حولها، بل قد تقدّم من كلام المسعودي أنه إذا جاء النيل ثماني عشرة ذراعا، استبحر من أراضيها الثلث.