الحلبية: فإن كان ذلك في الليل أوقدت النار بالمكان المقارب للفرات من رؤوس تلك الجبال فينظره من بعده، فيوقد النار فينظره من بعده، فيوقد النار وهكذا حتّى ينتهي الوقود إلى المكان الذي بالقرب من بلبيس في يوم أو بعض يوم، فيرسل بطاقته على أجنحة الحمام بالإعلام بذلك فيعلم أنه قد تحرّك عدوّ في الحملة فيؤخذ في التأهّب له حتّى تصل البرد بالخبر مفصّلا.
وأما المحرقات فسيأتي أنه كان أيضا قوم من هذه المملكة مرتّبون بالقرب من بلاد التتار يتحيلون على إحراق زروعهم بأن تمسك الثعالب ونحوها وتربط الخرق المغموسة في الزيت بأذناب تلك الثعالب وتوقد بالنار وترسل في زروعهم إذا يبست فيأخذها الذّعر من تلك النار المربوطة بأذنابها فتذهب في الزروع آخذة يمينا وشمالا فما مرّت بشيء منه إلا أحرقته وتواصلت النار من بعضها إلى بعض فتحرق المزرعة عن آخرها.
قلت: وهذان الأمران قد بطل حكمهما من حين وقوع الصلح بين ملوك مصر وملوك التتار على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
الأمر الثاني عشر نظره في الأمور العامّة مما يعود نفعه على السلطان والمملكة
قد تقدّم في أوّل هذا الفصل في الكلام على بيان رتبة صاحب ديوان الإنشاء من كلام صاحب موادّ البيان أنه ليس في منزلة خدم السلطان والمتصرفين في مهماته أخصّ منه، من حيث إنه أوّل داخل على الملك وآخر خارج عنه وأنه لا غنى به عن مفاوضته في آرائه والإفضاء إليه بمهماته، وتقريبه في نفسه في آناء ليله وساعات نهاره، وأوقات ظهوره للعامة وخلواته، وإطلاعه على حوادث دولته ومهمات مملكته، وأنه لا يثق بأحد من خاصته ثقته به، ولا يركن إلى قريب ولا نسيب ركونه إليه؛ ومن كان بهذه الرتبة من السلطان والقرب منه، وجب عليه أن لا يألوه نصحا فيما يعلم أنه أصلح لمملكته وأعمر لبلاده وأرغم لأعاديه وحسّاده وأثبت لدولته وأقوى لأسباب مملكته.