وأما لغو اليمين فقد اختلف فيه أيضا: فذهب الشافعي إلى أنه ما وقع من غير قصد: ماضيا كان أو مستقبلا كقوله: لا والله، وبلى والله «١» ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وذهب أبو حنيفة إلى أنه الحلف على الماضي من غير قصد الكذب في يمينه؛ مثل أن يظنّ شيئا فيحلف عليه؛ وهو الرواية الثانية عن أحمد؛ وحكي عن مالك أن هذه هي اليمين الغموس.
الطرف الثاني (في التّحذير من الوقوع في اليمين الغموس)
أما اليمين الغموس فإنّها من أعظم الكبائر، وناهيك أنها تغمس صاحبها في الإثم. وقد قال تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ
«٣» وفي الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امريء مسلم لقي الله عزّ وجلّ وهو عليه غضبان» . وقد قيل إن التوحيد (وهو: الذي لا إله إلا هو) إنما أوصل في اليمين رفقا بالحالف كي لا يهلك لوقته؛ فقد روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:«إذا حلف الحالف بالله الذي لا إله إلا هو، لم يعاجل لأنه قد وحد الله تعالى» .
ويروى أن جعفر بن محمد عليه السّلام، ادّعى عليه مدّع عند قاض، فأحلفه جعفر بالله، لم يزد على ذلك، فهلك ذلك الحالف لوقته، فقال القاضي ومن حضر: ما هذا؟ فقال: إن يمينه بما فيه ثناء على الله ومدح يؤخّر العقوبة كرما منه عزّ وجلّ وتفضّلا. وقال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: