الوظيفة الثانية (بطركيّة النّصارى الملكيّة «١» ، وهم أقدم من اليعاقبة)
وقد تقدّم في الكلام على النّحل والملل أنهم أتباع ملكا «٢» الذي ظهر قديما ببلاد الرّوم، وأنّ الروم والفرنج كلّهم اتباعه، وبالديار المصريّة منهم النّزر اليسير، ولهم بطرك يخصّهم.
وهذه نسخة توقيع لبطرك الملكيّة:
أمّا بعد حمد الله منوّع الإحسان، لأولي الأديان، ومؤصّله ومفرّعه لكلّ طائفة ولكل إنسان، والصلاة على سيدنا محمد الذي أباد الله به من أباد وأبان من عهده وذمّته من أبان- فإنّ الطائفة الملكيّة من النصارى لمّا كانت لهم السابقة في دينهم، ولهم أصل الرآسة والنّفاسة في تعيينهم، وما برحت لهم في الكلاءة والحفظ قدم السابقة، ورتبة بملوكهم الرّومانيّة سامقة، وما زالت لهم خدم الدول إلى أغراضها متساوقة ومتسابقة، ولهم جوار مشكور، وتبتّل مشهور، وعليهم وصايا من الملوك في كل ورود وصدور، ولهم من نفوسهم مزايا تستوجب احترامهم، وتستدعي إكرامهم، وكان لا بدّ لهم من بطريرك يلاحظ أحوالهم أتمّ الملاحظة، ويستدعي لهم من الدّولة أعظم محافظة، ويحفظ نواميس قبيلهم، ويحسن دراسة أناجيلهم، ويعرّفهم قواعد معتقداتهم، ويأخذهم بالدّعاء لهذه الدولة القاهرة في جميع صلواتهم، ويجمعهم على سداد، ويفرّقهم على مراد، وكان البطريرك فلان هو المتّفق بين طائفته على تعيينه، والمجمع على إظهار استحقاقه وتبيينه، والذي له مزايا لو كان فيه واحدة