الباب الثالث من الخاتمة في ذكر هجن الثّلج والمراكب المعدّة لحمل الثّلج الذي يحمل من الشام إلى الأبواب السلطانية بالديار المصريّة؛ وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأوّل (في نقل الثّلج)
إعلم أنّ ماء نيل مصر لما كان من الحلاوة واللّطافة على ما لا يساويه فيه نهر من الأنهار، على ما تقدّم ذكره في الكلام على الديار المصرية في المقالة الثانية، مع شدّة القيظ بها في زمن الصيف، وسخونة الهواء الذي قد لا يتأتّى معه تبريد الماء، وكان الثّلج غير موجود بها، وكانت الملوك قد اعتادت الرّفاهية مع اقتدارها على تحصيل الأشياء العزيزة، وولوعهم بجلبها من الأماكن البعيدة- إكمالا لحال الرّفاهية، وإظهارا لأبّهة الملك- دعاهم كمال الرّفاهية والأبّهة إلى جلب الثّلج من الشام إلى مصر: لتبريد الماء به في زمن الحرّ. على أنّ ذلك كان في غيرهم من الملوك التي لا ثلج بحاضرتهم.
وقد ذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» أنّ أوّل من حمل إليه الثّلج الحجّاج بن يوسف بالعراق. ثم لاعتناء ملوك مصر بالثّلج قرّروا له هجنا تحمله في البرّ وسفنا تحمله في البحر، حتى يصل إلى القلعة المحروسة.