الموت من القسيّ أن تعقّد أوتارها؛ وبالمجانيق أن تعقد حناياها وتحلّ أزرارها، وبالكواكب «١» أن تذيقهم طعم الصّغار كبارها، إذ نادى مناد من أعلى قمّتها، ورأس قلّتها «٢» ؛ معلنا بالأمان، ناسخا لآية الكفر بآية الإيمان؛ فأعارته الأسماع إنصاتها، واستحقت القلوب حصاتها؛ وعمدت إليه بنت بحر، عادت باب نصر، وساعة بدهر؛ وبشّرني بغلام على كبر، وبظفر في سفر على قدر؛ فأعطى فرنجها ما طلبوا؛ وأتى اللّطف للمسلمين بما لم يحتسبوا؛ وفي الحال رفعت عليها ألوية الإسلام ونشرت، وأوت إليها فئة الحق وحشرت، وتظاهرت عليها أولياء الله وظهرت؛ وقيل الحمد لله ربّ العالمين.
[الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «كتابنا» وباقي الأمر على نحو ما تقدم)]
وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به القاضي الفاضل عن الملك الناصر «صلاح الدين يوسف بن أيوب» إلى بعض الأمراء بالشام عند وفاة السلطان نور الدين محمود. وهي:
كتابنا هذا إلى الأمير، معزّين بالرّزء الذي كملت أقسامه وتمّت، ورمت أحداثه القلوب فأصمت، وطرقت أحاديثه الأسماع فأصمّت «٣» ، وأبى أن تعفو كلومه «٤» ، وكاد لأجله الأفق تنكسف بدوره وتنكدر نجومه، وثلم جانب الدّين لفقد من لولاه لدرست أعلامه ولم تدرس علومه، وفجأ فاستولى على كلّ قلب وجيبه «٥» وعلى كلّ خاطر وجومه؛ بانتقال المولى «نور الدين» إلى سكنى دار السلام، وقدومه على ما أعده الله له من جزاء ذبّه «٦» عن الإسلام؛ وبكى أهله على فقد عزائمه