خدمتهم له بذلك خدمة مقة «١» ومودّة، لا خدمة خوف ورهبة؛ وأن يحبّب خدمته إليهم بترك مناقشتهم، والتضييق عليهم، وإنالتهم من الترفيه في بعض الأوقات ما يجدون به السبيل إلى الأخذ بنصيب من لذاتهم وأوطارهم التي تميل النفوس إليها، وتتهافت عليها؛ فإنهم متى لحقهم التعب والنصب، اعترضهم الضّجر والملال، فقصّروا في الأعمال، وتهاونوا بالأشغال؛ فلا بدّ لهم من راحة تصفو بها أذهانهم ويزول عنها الكلال، ولا يفسح لهم في مواصلة الراحة والإخلال بما يلزمهم؛ فإن ذلك يحمل على سوء العادة وقبح المذهب. وعليه أن يحفظ لهم حقوق الصّحبة والخدمة ويوجدهم من الإعانة ما فيه صلاح حالهم؛ فإنه يستعبدهم بذلك ويستخلص مودّتهم، إذ القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها» .
[الضرب الرابع آداب عشرة الرعية]
قال ابن خلف:«وهو أمر عظيم النفع، جسيم العائدة، قاض بالسلامة. إذ لا يطيب لأحد عيش مع بغض الرعية له، ونفورهم عنه، وإن علت عند السلطان رتبته، وارتفعت طبقته. وظنّ بنفسه الاستغناء عنهم» .
قال:«فينبغي أن يوفّر العناية على استصلاحهم له، واستمالة أهوائهم إليه، ولين الجانب، ووطاءة الكنف «٢» ، وخفض الجناح، والبسط والإيناس وتألّفهم: كما يوفرها على استصلاح السلطان وسياسته، لتصحّ له رتبة التوسّط بين الطبقتين، ويسلم من طعن الطاعن، ولوم اللائم، ويبرأ من البغض