في زلل عن بعيد ولا قريب، فإن أراد الارتحال عن دارهم، مكّنوه من العود كما جاءهم، وخرج عنهم على أسوإ حال. مسلوبا ما استفاد عندهم من نعمة، عقابا له على مفارقته لأبوابهم لا بخلا بما جادوا به. أما من قدّم إليهم القول بأنه أتاهم راحلا لا مقيما، وزائرا لا مستديما، فإنهم لا يكلّفونه المقام لديهم، ولا دواما في النزول عليهم، بل يجزلون إفادته، ويجملون إعادته.
ثم بعد أن ذكر ما بين صاحب اليمن هذا وبين إمام الزّيديّة «١» باليمن من المشاجرة والمهادنة تارة والمفاسخة أخرى، قال: وصاحب اليمن لا عدو له، لأنه محجوب ببحر زاخر وبرّ منقطع من كلّ جهة، وللمسالمة بينه وبينهم، فهو لهذا قرير العين، خالي البال، لا يهمّه إلا صيد، ولا يهيجه إلا بلبال. قال: وهم مع ذلك على شدة ضبط لبلادهم ومن فيها، واحترازهم على طرقها برّا وبحرا من كل جهة، لا يخفى عليهم داخل يدخل إليها، ولا خارج يخرج منها، ومع ذلك فهو يداري صاحب مصر ويهاديه «٢» ، لمكان إمكان تسلّطه عليه من البرّ والبحر الحجازيّ، ولذلك اكتتب الملك «المؤيد داود» وصية أوصى فيها الملك الناصر «محمد بن قلاوون» صاحب الديار المصرية على ابنه الملك المجاهد عليّ. فلما مات المؤيد نجم على ابنه المجاهد ناجم، فبعث بوصية أبيه إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فجهز معه عسكرا إلى اليمن فمنعه من عدوّه الناجم عليه، ومكّن له في اليمن وبسط يده فيه.
القسم الثاني (من اليمن النّجود)
وهي ما ارتفع من الأرض، وبها مستقرّ أئمة الزيدية الآن.