قد تقدّم أن هذه المملكة قد اجتمع بها خمسة «١» أقاليم، وهي: إقليم مالّي، وإقليم صوصو، وإقليم غانة من الجانب الغربيّ عن مالّي، وإقليم كوكو، وإقليم تكرور في الجانب الشرقي عن مالّي، وأن كلّ إقليم من هذه الخمسة كان مملكة مستقلة، ثم اجتمع الكلّ في مملكة صاحب هذه المملكة، وأن مالّي هي أصل مملكته. قال في «مسالك الأبصار» : وهو وإن غلب عليه عند أهل مصر اسم سلطان التّكرور فإنه لو سمع هذا أنف منه، لأن التّكرور إنما هو إقليم من أقاليم مملكته، والأحبّ إليه أن يقال (صاحب مالّي) لأنه الإقليم الأكبر، وهو به أشهر.
ونقل عن الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أنه ليس بمملكته من يطلق عليه اسم ملك إلا صاحب غانة وهو كالنائب له وإن كان ملكا. وكأنه إنما بقي اسم الملك على صاحب غانة دون غيره لعدم انتزاعها منه والاستيلاء عليها استيلاء كلّيّا. فقد قال في «التعريف» : وأما غانة فإنه لا يملكها وكأنه مالكها، يتركها عن قدرة عليها: لأن بها وبما وراءها جنوبا منابت الذهب. وذكر ما تقدّم من أن بلاد منابت الذهب متى فشا فيها الإسلام والأذان، عدم فيها نبات الذهب، وصاحب مالّي يتركها لذلك لأنه مسلم، وله عليها إتاوة كبيرة مقرّرة تحمل إليه في كل سنة.
وقد ذكر صاحب «العبر» : أن هذه الممالك كانت بيد ملوك متفرّقة، وكان من أعظمها مملكة غانة. فلما أسلم الملثّمون من البربر، تسلّطوا عليهم بالغزو حتّى دان كثير منهم بالإسلام، وأعطى الجزية آخرون، وضعف بذلك ملك غانة واضمحلّ، فتغلّب عليهم أهل صوصو المجاورون لهم، وملكوا غانة من أيدي أهلها. وكان ملوك مالّي قد دخلوا في الإسلام من زمن قديم.