المناسب لذلك: تخيّر الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم، واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السّحر، فإن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة، وقسطها من النوم، وخفّ عنها ثقل الغذاء، وصفا الدّماغ من أكثر الأبخرة والأدخنة، وسكنت الغماغم «١» ، ورقّت النسائم، وتغنّت الحمائم.
وخالف ابن أبي الأصبع في اختيار وقت السحر، وجنح إلى اختيار وسط الليل أخذا من قول أبي تمّام في قصيدته البائية:
خذها ابنة الفكر المهذّب في الدّجى ... واللّيل أسود رقعة الجلباب
مفسرا للدّجى بوسط الليل، محتجّا لذلك بأنه حينئذ تكون النفس قد أخذت حظها من الراحة، ونالت قسطها من النوم، وخفّ عنها ثقل الغذاء، فيكون الذّهن حينئذ صحيحا، والصدر منشرحا، والبدن نشيطا، والقلب ساكنا، بخلاف وقت السحر فإنه وإن كان فيه يرقّ النسيم وينهضم الغذاء، إلا أنه يكون قد انتبه فيه أكثر الحيوانات، الناطق وغيره، ويرتفع معظم الأصوات، ويجري الكثير من الحركات، وينقشع بعض الظّلماء بطلائع أوائل الضوء، وربنا انهضم عن بعض الناس الغذاء فتحرّكت الشهوة لإخلاف ما انهضم منه وخرج من فضلاته، فكان ذلك داعيا الى شغل الخاطر، وباعثا على انصراف الهمّ إلى تدبير الحدث الحاضر، فيتقسم الفكر، ويتذبذب القلب، ويتفرّق جميع الهمّ، بخلاف وسط الليل فإنه خال من جميع ذلك.
[الأمر الثاني صفاء المكان]
وذلك بأن يكون المكان الذي هو فيه خاليا من الأصوات، عاريا عن