ومنهم من ذهب إلى أن العبرة بحسن الصنعة دون بري القلم، حتى حكى الغزالي رحمه الله في نصيحة الملوك أن الصاحب بن عبّاد كان وزيرا لبعض الملوك، وكان معه ستة وزراء غيره فكانوا يحسدونه، ولم يزالوا حتّى ذكروا للملك أنه لا يحسن براية القلم، وعمدوا إلى أقلامه فكسروا رؤوسها، ثم إن الملك أمره بكتب كتاب في المجلس، فوجد أقلامه كلّها مكسرة الرؤوس فأخذ قلما منها، وكتب به إلى أن انتهى إلى آخر الكتاب بخط فائق رائق، فقال له الملك: إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن بري القلم، فقال: إن أبي علمني كاتبا ولم يعلمني نجّارا.
النظر الثالث في معرفة محلّ البراية من القلم
قال إبراهيم بن محمد الشّيبانيّ: يجب أن يكون البري من جهة نبات القصبة يعني من أعلاها إذا كانت قائمة على أصلها، فإن محل القلم من الكاتب محل الرمح من الفارس؛ وإلى هذا المعنى أشار أبو تمّام الطائيّ بقوله في أبياته المتقدمة «١» :
إذا استغزر الذهن القويّ وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل
وقال أبو القاسم: إذا أخذ القلم ليبريه فلا يخلو من استقامة في البنية أو اعوجاج في الخلقة، فإن كان مستويا فالبرية من رأسه، وهو حيث استدق، وإن كان معوجّا ودعت الضرورة إليه، فالبرية من أسفله لأن أسفله أقل التواء من أعلاه.
النظر الرابع في كيفية إمساك السّكين حال البري
قال ابن البربريّ «٢» : إذا بدأت بالبراية فأمسك السكين باليد اليمنى،