وليرق هذه الرّتبة التي رفعت له ذرا أعوادها، وقدّمت له من المنابر مقرّبات جيادها، وليصعد منها على أعلى درجة؛ وليسعد منها بصهوة كأنما كانت له من بكرة يومه المشرق مسرجة، وليرع حقّ هذه الرتبة الشريفة، والذّروة التي ما أعدّت إلّا لإمام فرد مثله أو خليفة، وليقف حيث تخفق على رأسه الأعلام، ويتكلّم فتخرس الألسنة وتجفّ في فم الذّرا الأقلام، وليقرع المسامع بالوعد والوعيد، ويذكّر بأيام الله من كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
«١» ، ويليّن القلوب القاسية وإن كان منها ما هو أشدّ قسوة من الحجارة والحديد، وليكن قد قدّم لنفسه قبل أن يتقدّم، وليسبل عليه درع التوبة قبل أن يتكلّم، وليجعل لكل مقام مقالا يقوم به على رؤوس الأشهاد، ويفوّق منه سهما لا يخطيء موقعه كلّ فؤاد، وليقم في المحراب مقام من يخشى ربّه، ويخاف أن يخطف الوجل قلبه، وليعلم أنّ صدفة ذلك المحراب ما انفلقت عن مثل درّته المكنونة، وصناديق الصّدور ما أطبقت على مثل جوهرته المخزونة، وليؤمّ بذلك الجمّ الغفير، وليتقدّم بين أيديهم فإنّه السّفير، وليؤدّ هذه الفريضة التي هي من أعظم الأركان، وأوّل الأعمال التي توضع في الميزان، وأقرب القرب التي يجمع إليها داعي كلّ أذان، وليقم بالصلاة في أوقاتها، وليرح بها الناس في أوّل ميقاتها، وليخفّف مع الإتمام، وليتحمّل عمّن وراءه فإنه هو الإمام، وعليه بالتقوى في عقد كل نيّة، وأمام كلّ قضيّة؛ والله تعالى يجعله ممن ينقلب إلى أهله وهو مسرور، وينصب له مع الأئمة المقسطين يوم القيامة عن يمين الرحمن منابر من نور؛ بمنّه وكرمه.
[الوظيفة السادسة (الإمامة بالجوامع، والمساجد، والمدارس الكبار التي تصدر التولية عن السلطان في مثلها)]