والمراد به دفن ذنوب من يكتب له حتّى لم تر بعد؛ وفيه فصلان:
الفصل الأوّل في أصله وكونه مأخوذا عن العرب
والأصل فيه ما ذكره في «التعريف» أن العرب إذا جنى أحد منهم جناية، وأراد المجنيّ عليه العفو عما وقع، فالتّعويل في الصّفح فيها على الدّفن. قال في «التعريف» : وطريقتهم فيه أن تجتمع أكابر قبيلة الذي يدفن بحضور رجال يثق بهم المدفون له، ويقوم منهم رجل، فيقول للمجنيّ عليه: نريد منك الدّفن لفلان، وهو مقرّ بما أهاجك عليه؛ ويعدّد ذنوبه التي أخذ بها ولا يبقي منها بقيّة؛ ويقرّ الذي يدفن ذلك القائل على أن هذا جملة ما نقمه على المدفون له، ثم يحفر بيده حفيرة في الأرض، ويقول: قد ألقيت في هذه الحفيرة ذنوب فلان التي نقمتها عليه، ودفنتها له دفني لهذه الحفيرة؛ ثم يردّ تراب الحفيرة إليها حتّى يدفنها بيده.
قال: وهو كثير متداول بين العرب، ولا يطمئنّ خاطر المذنب منهم إلا به؛ إلا أنه لم تجر للعرب فيه عادة بكتابة، بل يكتفى بذلك الفعل بمحضر كبار الفريقين؛ ثم لو كانت دماء أو قتلى عفّيت وعفت بها آثار الطلائب.