فلم تقع في كلامه من الحسن موقعا، ولا أصابت من الطّلاوة غرضا؛ وهذه لفظة واحدة لم يتغير شيء من أحوالها سوى أنها نقلت من صيغة إلى صيغة، وكذلك لفظة وذر، فإنها لا تستعمل ماضية، وتستعمل على صيغة الأمر كقوله تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا
«١» وتستعمل مستقبلة أيضا كقوله تعالى:
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ
«٢» ولم ترد في القرآن الكريم إلا على هاتين الصيغتين، وكذلك في غير القرآن الكريم من فصيح الكلام، أما في حالة المضيّ، فإنها أقبح من لفظة ودع، وقد استعملت ماضية مع شذوذ، وهذه لم تستعمل أصلا.
النمط الثالث-
ما يترجح فيه الإفراد في الاستعمال على التثنية، وذلك في مثل لفظ الأخدع «٣» ، فإنها يحسن استعمالها في حالة الإفراد دون التثنية؛ فممّا وردت فيه مفردة فجاءت حسنة رائقة، قول الصّمّة بن عبد الله «٤» من شعراء الحماسة:
تلفّتّ نحو الحيّ حتّى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا «٥» وأخدعا
ومما ورد فيه لفظ التثنية فجاء ثقيلا مستكرها قول أبي تمّام:
يا دهر قوّم من أخدعيك فقد ... أضججت هذا الأنام من خرقك
هكذا ذكره في المثل السائر، ثم قال: وليس لذلك سبب إلا أنها جاءت موحدة في أحدهما فحسنت، وجاءت مثناة في الآخر فقبحت.