في أسعد طالع يبديء النّصر ويعيد؛ لما في ذلك من ابتهاج يتجدّد، وأسباب مسرّة لكافّة الأنام تتأكّد، ودعوات ألسنتها تتضاعف من الرعية وتتردّد.
ولما كان في يوم السبت المبارك سادس عشر شهر رجب الفرد، ركبنا إلى الميدان السعيد في أتمّ وقت أخذ من السّعد بمجموعه، وأظهر في أفق العساكر من وجهنا الشريف البدر عند طلوعه، ولم نبرح يومنا المذكور في عطاء نجيده، وإنعام نفيده، وإطلاق نبدئه ونعيده، والأولياء بين أيدينا الشريفة يمرحون، وفي بحار كرمنا المنيف يسبحون، وفي ميدان تأييدنا المطيف يسيحون، والكرات كالشمس تجنح تارة وتغيب، وتخشى من وقع الصّوالجة فتقابلها بوجه مصفرّ مريب. ثم عدنا إلى القلعة المنصورة على أتمّ حال، وأسعد طالع بلّغ الأنام الأمان والآمال، والعساكر بخدمتنا الشريفة محدقون، ومماليكنا بعقود ولائنا مطوّقون، والرّعايا قد ألبسها السّرور أثوابا، وفتح لها من الابتهاج أبوابا، وقد آثرنا إعلام الجناب بذلك ليأخذ حظّه من هذه المسرّة والبشرى، ويشترك هو والأنام في هذه النّعمة الكبرى، ومرسومنا للجناب أن يتقدّم بالركوب بمن عنده من الأمراء في ميدان طرابلس المحروسة، ويلعب بالكرة على جاري العادة في ذلك، ليساهم أولياء دولتنا القاهرة في ذلك، ويسلك من طرقهم الجميلة أجمل المسالك.
قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانية لم يزل مستعملا بديوان الإنشاء، يكتب له كلّما ركب السلطان إلى الميدان الصّالحيّ بخطّ اللّوق، إلى أن عطّل جيده من الركوب في أواخر الدّولة الظاهرية «برقوق» واقتصر على لعب الكرة في الميدان الذي جرت به العادة، فتركت المكاتبة بذلك من ديوان الإنشاء ورفض استعمالها.
الصنف الثامن عشر (المكاتبة بالبشارة بحجّ الخليفة)
لما كانت الأسفار، محلّ الأخطار، وموقع الاختلاف وحدوث الفتن، كانت الخلفاء يكتبون الكتب إلى عمّالهم بالسلامة عند الإياب من السّفر للحجّ وغيره.