قد جرت العادة أن أبناء العلماء والرّؤساء تثبت عدالتهم على الحكّام، ويسجّل لهم بذلك، ويحكم الحاكم بعدالة من تثبت عدالته لديه، ويشهد عليه بذلك، ويكتب له بذلك في درج عريض، إمّا في قطع فرخة الشاميّ الكاملة، وإما في نحو ذلك من الورق البلديّ، وتكون كتابته بقلم الرّقاع وأسطره متوالية، وبين كلّ سطرين تقدير عرض أصبع أو نحو ذلك.
قلت: وهذه نسخة سجلّ أنشأته، كتب به لولدي نجم الدّين أبي الفتح محمد، وكتب له بها عند ثبوت عدالته، على الشّيخ العلّامة وليّ الدّين أحمد، ابن الشّيخ الإمام الحافظ زين الدّين عبد الرّحيم العراقيّ، خليفة الحكم العزيز بمصر والقاهرة المحروستين، في شهور سنة ثلاث عشرة وثمانمائة؛ وهي:
الحمد لله الذي أطلع نجم العدالة من سماء الفضائل في أفق معاليها، وأنار بدراريّ العلماء من حنادس الجهالة مدلهمّ لياليها، وكمّل عقود النّجابة من نجباء الأبناء بأغلى جواهرها وأنفس لآليها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترقّي قائلها إلى أرفع الذّرا، ويمتطي منتحلها صهوة الثّريّا: وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بمحاسن الشّيم، والموصوف بكرم المآثر ومآثر الكرم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسّكوا من عرا الدّين بالسّبب الأقوى، وسلكوا جادّة الهداية فحصلوا من أقصى مغيّاها على الغاية القصوى، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فلمّا كانت العدالة هي أسّ الشريعة وعمادها، وركنها الأعظم في الاستناد إلى الصّواب وسنادها، لا تقبل دونها شهادة ولا رواية، ولا يصحّ مع عدمها إسناد أمر ولا ولاية- فقد بنيت الشريعة المطهّرة على أركانها،