وصور وغيرها من سواحل الشام، حين كانت بأيديهم، قبل أن يغلبهم عليها الفرنج؛ وكانت جريدة قوّادهم تزيد على خمسة آلاف مقاتل مدونة، وجوامكهم في كل شهر من عشرين دينارا إلى خمسة عشر دينارا إلى عشرة إلى ثمانية إلى دينارين، وعلى الأسطول أمير كبير من أعيان الأمراء وأقواهم جأشا، وكان أسطولهم يومئذ يزيد على خمسة وسبعين شينيّا وعشر مسطحات وعشر حمالات «١» ، وعمارة المراكب متواصلة بالصناعة لا تنقطع. فإذا أراد الخليفة تجهيزها للغزو، جلس للنفقة بنفسه حتى يكملها، ثم يخرج مع الوزير إلى ساحل النيل بالمقسم، فيجلس في منظرة كانت بجامع باب البحر والوزير معه للموادعة «٢» ، ويأتي القوّاد بالمراكب إلى تحت المنظرة، وهي مزينة بالأسلحة والمنجنيقات واللعب منصوبة في بعضها، فتسيّر بالمجاديف ذهابا وعودا كما يفعل حالة القتال، ثم يحضر إلى بين يدي الخليفة المقدّم والريّس فيوصيهما ويدعو لهما بالسلامة، وتنحدر المراكب إلى دمياط وتخرج إلى البحر الملح فيكون لها في بلاد العدوّ الصّيت والسّمعة. فإذا غنموا مركبا اصطفى الخليفة لنفسه السبي الذي فيه من رجال أو نساء أو أطفال، وكذلك السلاح، وما عدا ذلك يكون للغانمين لا يساهمون فيه.
وكان لهم أيضا أسطول بعيذاب يتلقّى به الكارم «٣» فيما بين عيذاب وسواكن، وما حولها خوفا على مراكب الكارم من قوم كانوا بجزائر بحر القلزم هناك يعترضون المراكب، فيحميهم الأسطول منهم، وكان عدّة هذا الأسطول خمسة مراكب، ثم صارت إلى ثلاث، وكان والي قوص هو المتولّي لأمر هذا الأسطول، وربما تولاه أمير من الباب، ويحمل إليه من خزائن السلاح ما يكفيه.
[وأما سيرهم في رعيتهم]
- واستمالة قلوب مخالفيهم، فكان لهم الإقبال على من يفد عليهم من أهل الأقاليم جلّ أو دقّ، ويقابلون كل أحد بما يليق به من