حين قدم مصر في دولة الظاهر برقوق فارّا من تمر» «١» أمّا الديار المصرية فإنه لا يتعانى ذلك عندهم إلا خفاف الشباب من مكارية الدواب ونحوهم ممن يعتاد شدّة العدو إلا أنه إذا طرأ مهمّ سلطانيّ يقتضي إيصال ملطّف مكاتبة عن الأبواب السلطانية إلى بعض النواحي وتعذر إيصاله على البريد لحيلولة عدوّ في الطريق أو انقطاع خيل البريد من المراكز السلطانية لعارض، انتدب كاتب السرّ بأمر السلطان من يعرف بسرعة المشي وشدّة العدو للسفر ليوصل ذلك الملطّف إلى المكتوب إليه والإتيان بجوابه. وربما كتب الكتابان فأكثر إلى الشخص الواحد في المعنى الواحد ويجهز كل منهما صحبة قاصد مفرد خوف أن يعترض واحد فيمضي الآخر إلى مقصده كما تقدّم في بطائق الحمام الرسائليّ. وقد أخبرني بعض من سافر في المهمات السلطانية من هؤلاء أنهم في الغالب عند خوف العدوّ يمشون ليلا ويكمنون نهارا وإذا مشوا في الليل يأخذون جانبا عن الطريق الجادّة، يكون بين كل اثنين منهم مقدار رمية سهم حتّى لا يسمع لهم حس فإذا طلع عليهم النهار كمنوا متفرّقين مع مواعدتهم على مكان يتلاقون فيه في وقت المسير.
[الأمر الحادي عشر نظره في أمر المناور والمحرقات]
أما المناور فسيأتي أنه في الزمن المتقدّم عند وقوع الحروب بين التتار وأهل هذه المملكة، كان بين الفرات بآخر الممالك الشامية وإلى قريب من بلبيس من أعمال الديار المصرية أمكنة مرتّبة برؤوس جبال عوال، بها أقوام مقيمون فيها، لهم رزق على السلطان من إقطاعات وغيرها إذا حدث حادث عدوّ من بلاد التتار، واتصل ذلك بمن بالقلاع المجاروة للفرات من الأعمال