وأوّل من نبه على ذلك الأستاذ ابن العميد «١» رحمه الله.
ومما يحكى في ذلك: أن الصاحب بن عبّاد أنشد هذا البيت بحضرة ابن العميد، فقال له ابن العميد: هل تعرف في هذا البيت شيئا من الهجنة؟ فقال:
نعم، مقابلة المدح باللوم، وإنما يقابل المدح بالذم والهجاء، فقال له ابن العميد:
غير هذا أريد، قال: لا أرى غير ذلك. فقال ابن العميد: هذا التكرير في أمدحه، أمدحه مع الجمع بين الحاء والهاء وهما من حروف الحلق خارج عن حدّ الاعتدال، نافر كلّ التنافر، فاستحسن الصاحب بن عبّاد ذلك.
قال الشيخ سعد الدين التفتازانيّ في شرح تلخيص المفتاح: ولا يجوز أن يراد أن الثقل في لفظة أمدحه دون تكرار، فإنّ مثل ذلك واقع في التنزيل نحو قوله تعالى: فَسَبِّحْهُ*
والقول باشتمال القرآن على كلام غير فصيح مما لا يجتريء عليه المؤمن.
الضرب الثاني- ما كان شديد الثقل بحيث يضطرب لسان المتكلم عند إرادة النطق به
، كقوله:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر
قال في عجائب المخلوقات: إن من الجن نوعا يقال له الهاتف، فصاح واحد منهم على حرب بن أميّة «٢» فمات، فقال ذلك الجنّي هذا البيت. قال المسعوديّ في «مروج الذهب» : والدليل على أنه من شعر الجن أمران: أحدهما الرواية، والثاني أنه لا يقوله أحد ثلاث مرات متواليات إلا تعتع فيه.
قال ضياء الدين بن الأثير: والسبب في ثقل البيت تكرير حرفي الباء والراء