محمد خير من سلّمت عليه الألسنة وصلّت، وسلّت به سيوف النصر وصلّت، صلاة دائمة ما أمليت على الأسماع فملّت، ولا قابلتها وجوه الملائكة إلا تهلّلت ولا سحب الرّضوان إلّا انهلّت- فإنّ منزلة يستقى [من] مهمّات الدّولة خبرها، ويستدعى من جانبي مصر والشّام سبرها، ويحمد إليها من ناحيتي الساحل والجبل سراها وسيرها؛ وتلك وظيفة شدّ الدّواوين المعمورة بغزّة المحروسة التي تلتقط من ساحل بحرها درر الخير المقتبل، وتقول المهمّات الشريفة لسراة استنهاضها: يا سارية الجبل- حقيقة أن يتخيّر لها من الشاكرين من يحمد اجتهاده وجدّه، ومن السّابقين إلى المقاصد من يحسن- كما يقال- تقريبه وشدّه، ومن شكرت في الولايات آلاؤه، ومن إذا علا نظر رأيه في المصالح قيل: دام علاؤه، ومن إذا دبّر جهة قالت بلسان الحال: لقد زاد في المصالح حسنا، ولقد تحصّنت بانتساب ذكره فلا عدمت منه حصنا.
ولذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقرّ............ لما عرف من حزمه وعزمه، ولما جدّد في مقدّمات القدر من رفعه وفي إعلاء المهمّات من جزمه، ولما عهد من هممه في جهات دبّرها، وفي ولايات ثمّرها، وفي وظائف شدّها: أمّا على العتاة فشدّدها وأمّا على المستحقّين فيسّرها، ولما اشتهر من ذكره الّذي لا برح عليّا، ولما ظهر من درايته الّتي جعلت كوكب سعده وسعيه درّيّا، ولما بهر من تميّزه الّذي إذا هزّ عصاه بيد تساقط على المقاصد رطبا جنيّا.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرة تبيّض لها وجها وعرضا، وإذا أثنى عليه المثني تبرعا كافأه حتّى يكون قرضا، مجتهدا في تثمير الأموال والغلال، ضابطا لأمور الدّيوان حتّى لا يشكو الخلّة ولا الاختلال، قائما بحقوق الخدمة، مستزيدا- بشكر الأقوال والأفعال- لما يرسخ له من أقسام النّعمة، عليّا على كلّ حال إذا وفّت الفكر قدره وإذا ذكر اللّسان اسمه.
[المرتبة الثالثة (من تواقيع أرباب السيوف بأعمال دمشق ما يفتتح ب «- رسم» وفيها وظائف)]