وقد اختلفت مقاصدهم في ترتيبها اختلافا متقاربا في الزيادة والنقص والتقديم والتأخير، مع مراعاة أصول المراتب. وها أنا أذكر ما استقرّ عليه الحال من ذلك، وأنبّه على ما خالفه من ترتيبهم المتقدّم الذّكر، لتحصل الإحاطة به، ويعلم ما جرى عليه أهل كلّ عصر منهم مما لعلّ مختارا يختاره، أو ينسج على منواله، منبّها على وهم من وهم في شيء من ذلك.
واعلم أنهم قد بنوا هذا النوع من الإخوانيّات على قاعدتين، تتعيّن معرفتهما قبل الخوض في رتب المكاتبات:
القاعدة الأولى- فيما يتعلّق بورق هذه المكاتبات.
قد جرت العادة أن تكون جميع هذه المكاتبات من الأعلى إلى الأدنى، ومن الأدنى إلى الأعلى، ومن النظير إلى النّظير، في ورق قطع العادة دون ما فوقه من مقادير قطع الورق المتقدّمة الذكر، غير أنّ أعيان أهل الديار المصرية يكاتبون في الورق المصريّ، وأعيان أهل الشأم يكاتبون في الورق الشاميّ؛ لكثرة وجوده عندهم، والمعنى في ذلك أنّ كتب السلطان الصادرة عنه إلى جميع أهل المملكة من النّوّاب وغيرهم في هذا القطع، فلا جائز أن تعلو مكاتبة أحد منهم على مكاتبة السلطان في ذلك.
ثم قد اصطلحوا على أن يكون في أعلى المكاتبة عن كلّ أحد من أعيان الدولة قبل البسملة وصل واحد بياضا، إذ كان أقلّ ما يجعل بياضا في كتب السلطان وصلين فاقتصروا على وصل واحد، كي لا يساويه غيره في ذلك، واصطلحوا أيضا على أن لا تنقص المكاتبات المذكورة عن ثلاثة أوصال: الوصل الأبيض في أعلى المكاتبة على ما تقدّم، ووصلان مكتوبان، إذ لو نقص عن ذلك، لخرج الكتاب في القصر عن الحدّ فيزدرى، أما لو دعت الضرورة إلى الزيادة على الثلاثة لزيادة الكلام فلا مانع منه. واصطلحوا على أن يترك للكتاب حاشية بيضاء تكون بقدر ربع الدّرح على ما تقدّم ذكره في غير هذا الموضع.